رأس السنة الهجرية
"منذ بداية الدعوة المحمدية، وقريش على موقفها
المعارض منها وكانت كلما ظهر مناصرون اشتدت هذه المعارضة إلى أن بلغت
ذروتها بعد رفض القبائل كافة دعوة النبي(ص) في مكة.
ومن جملة هذه الضغوطات تتبع عمه عبد العزي له في كل
مكان واتهامه بالكذب وتعاطي السحر.
ولكن ثقة الرسول(ص) بالنصر وبوعد الله كانت أقوى من
قريش وخيلائها ومؤامراتها، ما دفعه إلى الصبر وتحدي كل ذلك. إلى أن يسر
الله سبحانه وتعالى لدينه أنصاراً في غير بلدهم قد عاهدوه أن يبذلوا في
سبيله دماءهم وأموالهم وقد أصبحوا في الكثرة دعامة للإسلام وقوة ضاربة
لكل من يحاول أن يقف في طريقهم إلى الله.
وأخذ محمد(ص) وأتباعه يخططون للخطوات الجديدة
للانتقال إلى يثرب حيث الأوس والخزرج على ميعاد معهم، وفيهم تتاح لهم
حرية القيام بفرائض الدين والدعوة لله، وأحست قريش بهذا التطوّر الجديد
والانطلاقة التي يسرت لأولئك المحاصرين في شعاب مكة وهضابها، وأدركته بعد
رجوع الأوس والخزرج وأصبحت تخطط من جديد للقضاء على هذه الحركة الجديدة
في مهدها قبل أن يستفحل خطرها في خارج مكة ويتحول ميزان القوة لصالح
محمد(ص).
وبدأ النبي(ص) يفكر في الخروج من ذلك الحصار المضروب
عليه وعلى أتباعه. وماذا عليه أن يفعل ليتسنى له توظيف الموقف الذي تيسر
له. واتخذت المعركة بينهما شكلاً جديداً لم يكن بالأمس، وأصبحت بينهم على
أشد ما كانت عليه منذ أن بعثه الله. وكل منهما ينظر إليها كمعركة حياة أو
موت. ولكنه ما كان ليقطع أمراً ويستبد فيه ما تتضح له أبعاده ونتائجه
بواسطة الوحي، وفي ما هو يفكر ويخطط إذ يقطع الوحي الحكم فيأتي الأمر
بترك مكة والهجرة إلى يثرب حيث الأنصار والأعوان {أُذِنَ لِلَّذِينَ
يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ
لَقَدِيرٌ}(الحج/39)....
فكانت الهجرة وبها يبدأ التاريخ الإسلامي.